جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 04:27 صـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

احتضار مهنة السقا .. تعرف على رحلة عبد البر من المنوفية إلى القاهرة منذ 155عام

مهنة السقا
مهنة السقا

لم يكن محمود عبد البر ابن المنوفية سوي عامل من مئات العمال الذين امتهنوا مهنة السقا، وشهدوا لسوء حظوظهم انتهاء مهنتهم وهم في مقتبل العمر فمثلما شهد في مرحلة الصبا الاحتلال الإنجليزي لمصر وانكسار الثورة العرابية، شهد في حياته إنشاء شركة يديرها الأجانب لتوريد المياه لمواطني القاهرة المصريين وأخذ أجرة مرتفعة منهم.

وتدل الوثيقة نمرة المرخصة برقم 93 أن محمود عبد البر استلم رخصة لمزاولة مهنته في 2 مايو عام 1863م أي منذ 155 سنة ، وهو العام الي شهدت فيه القاهرة الكثير من الأحداث المهمة قبل أن تشهد إنشاء شركة مياه ارتوازية بعامين في عام 1865م ، وهو العام الذي بدأ فعلياً احتضار مهنة السقا في بعض ضواحي القاهرة التي استغنت عن خدمات السقا وقامت بتوصيل مياه من الشركة التي تم تأسيسها.

اجتاز محمود عبدالبر الاختبار المبدئي الذي كانت تجريه الحكومة للمتقدمين لمهنة السقا، لذا تم تسليمه الرخصة لمزاولة المهنة فقد كانت قدرته الجسدية قادرة علي حمل قربة وكيس ممتلئ بالرمل يزن نحو67 رطلا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال دون أن يسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم، كما كان يملك من الشجاعة أن يسير في الشوارع دون خوف من الفوضي العارمة التي تسبب فيها الاحتلال البريطاني لمصر.

كانت أجرة سقا حامل الكيزان محددة كما يقول المؤرخون، حيث يقوم السقا بوضع علامة علي باب المنزل وهي العلامة التي يعرف منها ساكن المنزل ثمن أجرة السقا فيقوم بدفعها كما كان محمود عبدالبر له منطقة جغرافية محددة، فهو كان منوط به جلب المياه لمنازل حارة سلامة التابعة للجمالية يضع المياه في زيار المنازل الفخارية ويضع علامة لثمن أجرته ويرحل ثم يعود ثانية كي يتقاضي ثمن أجرته .

الصدمة التي انتابت محمود عبدالبر كانت محددة في غروب مهنته وزوالها بعد إنشاء شركة للتوزيع مياه ارتوازية في القاهرة ونواحيها حيث كان شاباً في الثلاثين من عمره، وهي الصدمة التي انتابت مئات السقايين مثله بكافة طوائفهم المختلفة لكنه قاوم واستمر في مهنته ليس لأنه شاب ولكن لأن شركة المياه في القاهرة جعلت سعر المياه مرتفعاً لتوصيل المياه خلاف بلدية الإسكندرية التي خفضت السعر وهو سعر لم يكن في استطاعة الكثيرين من المواطنين في القاهرة ونواحيها أن تمنحه للشركة، لذا اكتفوا بمجهودات السقا محمود عبد البر وزملاؤه الذين كانوا يذهبون لنهر النيل أو الأسبلة المنتشرة في القاهرة لملء جراراهم.

تقول الوثيقة إن محمود عبدالبر كان يمتاز بالطول الفارع، وأنه كان يمتاز بالوسامة العالية فقد كان أشقر الشعر مدور الوجه ليس له شارب كما وضحت الوثيقة طائفته التي ينتمي إليها فقد رسمته وهو يقوم بملء المياه بالكيزان مما يعني أنه كان ينتمي لطائفة سقايين الكيزان الذين كانوا يطوفون الشوارع والأسواق حاملين قرب الماء على ظهورهم ومعهم مجموعة من الكيزان لكي يقدموا المياه للأهالي خلاف الطوائف الأخري من السقايين.

بعد مرور أكثر من أربعين عاماً وبالتحديد في عصر الخديوي عباس حلمي الثاني وعام 1903م عندما كان سن محمود عبدالبر يبلغ نحو 78 سنة ، اتفقت الحكومة المحلية وشركة المياه برئاسة المسيو شارل بارليه وكيل مجلس إدارة الشركة والشركة على إبطال توريد مياه النيل وضواحيها إبطالًا تاما، والاستعاضة عنها بمياه الآبار الارتوازية التي اختارتها الحكومة، وذلك بالشروط الآتية: "أن تقوم الحكومة بدفع مبلغ قدره 20 ألف جنيه بمسافة إسعاف تستعين به الشركة على القيام بالنفقات اللازمة من أجل توزيع المياه حيث تدفع الحكومة للشركة نصف المبلغ والنصف الآخر عندما يصبح توزيع المياه بالطريقة الحديثة جاريًا مجراه".

كما أقرت المادة الثانية من الاتفاق أن "الماء في المستقبل من الآبار الارتوازية يورد لمنازل القاهرة وبكمية توافق نظارة الأشغال عليها، ويكون رفعها إلى علو يعادل العلو الحالي لسطح فندق سافوي الذي كان يتواجد بميدان سليمان باشا. كما أقرت المادة الثالثة بنزع ملكية الأراضي التي تشتريها الشركة من الأفراد لوضع المواسير وللتوزيع. .

كانت هذه البنود كفيلة بأن يتأكد محمود عبد البر السقا أن مهنته في احتضار كامل دون أن تخبرنا الوثيقة هل وصل لهذا العمر في حياته ويشهد نهايتها بالكامل أم أنه مات في مقتبل العمر جراء عدم احتمال جسده هذه المهنة الشاقة التي كانت تجبره علي العمل وحمل 67 رطلا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال دون أن يسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم .

قرأ أيضاً اً...انسداد ”زاروق صرف زراعي يهدد بتدمير منازل قريه بالمنوفية هشام جمال-عادل امام-ليلى احمد زاهر-عمرو وهبة-حلا الترك-فؤاد المهندس-محمد المنفي-خالد الغندور-عزت العلايلي-تشيلسي