مفتى الجمهورية يبين حكم المكوث فى الكعبة بعد طواف الوداع
ذهبت لأداء فريضة الحج، وبعد أن انتهيتُ من مناسك الحجِّ وطفت طواف الوداع لم أترك مكة بل أقمت بها يومًا بسبب الاستعداد للسفر مع الرحلة المنظمة والرفقة، فهل يلزمني إعادة طواف الوداع مرة أخرى قبل السفر مباشرةً حتى يكون آخر عهدي بمكة هو الطواف، وما الحكم لو سافرت ولم أتمكن من إعادة الطواف مرة أخرى؟، سؤال أجاب عنه الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية ، وجاء الرد كالآتى
طواف الوداع من شعائر الحج، وهو الطواف الذي يقوم به الحاجُّ بعد انتهائه من مناسكه، وعزمه على الخروج من مكة، مختتمًا به أفعال الحج، ليكون الطواف آخرَ عهده بالبيت؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جئنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله من جوف الليل، فقال: «هَلْ فَرَغْتِ؟» قلت: نعم، فأذَّنَ في أصحابه بالرحيل، فخرج فمرَّ بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة. رواه الإمام مسلم في "صحيحه"
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني": [فأما إن قضى حاجةً في طريقه، أو اشترى زادًا أو شيئًا لنفسه في طريقه، لم يُعِدْهُ؛ لأنَّ ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت، وبهذا قال مالك، والشافعي، ولا نعلم مخالفًا لهما] .
وبناءً على ذلك: فطواف الوداع الذي أديته حصل به طوافك وتوديعكَ البيت، وليس عليك -بإقامتك يومًا بعده في مكة- إعادةُ الطواف؛ لأن هذا لا يُعدُّ إقامةً حقيقية تُخرِجُ طوافَك عن كونه آخر عهدك بالبيت؛ فإنك لم تنوى الإقامة، ولم تتخذ مكة المكرمة دارًا للمكث؛ بل كان ذلك لانشغالك بالسفر وارتباطك بتجهيزاته.
وسُمِّيَ بالوداع لأنه يُودَّعُ به البيت الحرام؛ ولذلك نصَّ جماعة من العلماء على أن طواف الوداع إنَّما يكون للآفاقي المسافر دون المكي وأهل الحرم، ودون الآفاقي الذي نوى الإقامة؛ لانتفاء معنى الوداع في حقهم؛ إذ الوداع إنَّما يكون من المفارق، لا من الملازم؛ كما قال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (5/ 336، ط. عالم الكتب). ويُسمَّى أيضًا بطواف الصَّدر؛ لصدوره عنه أي رجوعه.
واتفق الفقهاء على أن من أدَّى طواف الوداع ثم عمل عملًا لا يُدخله في معنى الإقامة بمكة؛ كقضاء حاجةٍ في طريقه أو شراء زادٍ لطريقه، أو بسبب من أسباب الخروج أو السفر لم تلزمه الإعادة، ولم يخرج طوافه بذلك عن أن يكون آخر عهده بالبيت؛ لأن الانشغال بأسباب السفر انشغال بالسفر.