جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 06:51 صـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تعرف على أبرز المحطات في حياة «كروان الجنة» الشيخ عبدالباسط عبدالصمد

الشيخ عبدالباسط عبدالصمد-كروان الجنة-ذكري وفاته
الشيخ عبدالباسط عبدالصمد-كروان الجنة-ذكري وفاته

تحل اليوم الذكرى الـ 30 على وفاة صاحب الحنجرة الذهبية، القارئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الملقب بكروان الجنة.

ويعد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، أحد أشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، حيث تمتع بشعبية هي الأكبر في أنحاء العالم لجمال صوته ولأسلوبه الفريد، التي جعلت محبيه يطلقون عليه العديد من الألقاب مثل: صوت مكة، كروان الجنة، صاحب الحنجرة الذهبية.

ولد القارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة ومركز أرمنت بمحافظة قنا بجنوب الصعيد، حيث نشأ في بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويداً، فالجد الشيخ عبد الصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا.

 

التحق الطفل الموهوب عبد الباسط بكتاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يُتلَى بالبيت ليل نهار بكرةً وأصيلاً.

 

لاحظ الشيخ على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملةٍ من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب، ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع، وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت بصوته القوي الجميل متمتعًا بأداءٍ طيبٍ يستوقف كل ذي سمع.

 

يقول الشيخ عبد الباسط في مذكراته: كانت سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدي من العلماء فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا عليَّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ محمد سليم ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً، ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر.

 

وقبل التوجه إلى طنطا بيومٍ واحدٍ علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى أرمنت ليستقر بها مدرسًا للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به؛ لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن، وكأن القدر قد سَاقَ إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم بأصفون المطاعنة، فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات. فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله، ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع.

 

بعد أن وصل الشيخ عبد الباسط الثانية عشرة من العمر انهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم الذي زكّى الشيخ عبد الباسط في كل مكان يذهب إليه، وشهادة الشيخ سليم كانت محل ثقة الناس جميعاً.

 

مع نهاية عام 1951 م طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبد الباسط أن يتقدم إلى الإذاعة كقارئ بها ولكن الشيخ عبد الباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطه بمسقط رأسه وأهله ولأن الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص، ولكنه تقدم بالنهاية.

 

كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل لتلاوة الشيخ عبد الباسط بالمولد الزينبي وقدم هذا التسجيل للجنة الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبد الباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون أحد قرائها. بعد الشهرة التي حققها الشيخ عبد الباسط في بضعة أشهر كان لابد من إقامة دائمة في القاهرة مع أسرته التي نقلها معه إلى حي السيدة زينب.

 

بسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها وانتشرت بمعظم البيوت للإستماع إلى صوت الشيخ عبد الباسط، وكان الذي يمتلك راديو في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماع الشيخ عبد الباسط وهم بمنازلهم وخاصة كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً.

 

بدأ الشيخ عبد الباسط رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان.

 

كانت بعض الدعوات توجه إليه ليس للاحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر الشيخ عبد الباسط فكان ردهم "بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبد الباسط" فكان الاحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جواً من البهجة والفرحة على المكان الذي يحل به.

 

هذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له استقبالاً رسمياً على المستوى القيادي والحكومي والشعبي. حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة. وفي جاكرتا بدولة اندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على الأقدام حتى مطلع الفجر.

 

يعتبر الشيخ عبد الباسط القارئ الوحيد الذي نال من التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش تلاوة القرآن الكريم لما يقرب من نصف قرن من الزمان نال خلالها قدر من الحب الذي جعل منه أسطورة لن تتأثر بمرور السنين بل كلما مر عليها الزمان زادت قيمتها وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة ولم ينس حياً ولا ميتاً.

 

فكان تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا بمنحه وسام الاستحقاق ووسام الأرز من لبنان والوسام الذهبي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان قبل رحيله من الرئيس محمد حسنى مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1987 م.

 

حصل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، على العديد من الأوسمة منها: وسام من رئيس وزراء سوريا عام 1959، وسام من رئيس حكومة ماليزيا عام 1965، وسام الاستحقاق من الرئيس السنغالي عام 1975، الوسام الذهبي من باكستان عام 1980، وسام العلماء من الرئيس الباكستاني ضياء الحق عام 1984، وسام الإذاعة المصرية في عيدها الخمسين، وسام الاستحقاق من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك أثناء الاحتفال بيوم الدعاة في عام 1987، وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية، وسام تكريمي من الجمهورية العراقية.

 

تمكن مرض السكري منه وكان يحاول مقاومته بالحرص الشديد والالتزام في تناول الطعام والمشروبات ولكن تزامن الكسل الكبدي مع السكر فلم يستطع أن يقاوم هذين المرضين الخطيرين فأصيب بالتهاب كبدي قبل رحيله بأقل من شهر، فدخل المستشفى، إلا أن صحته تدهورت مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن حيث مكث بها أسبوعاً وكان بصحبته ابنه طارق فطلب منه أن يعود به إلى مصر.

 

 

توفي الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، يوم الأربعاء 30 نوفمبر 1988م، وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي، فحضر تشييع الجنازة كثير من سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره في مجال الدعوة بكافة أشكالها.