جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 01:57 صـ 14 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أردوغان بطل من ورق .. وبطولاته زائفة

الكاتب الصحفى محمد هانى عبد الوهاب
الكاتب الصحفى محمد هانى عبد الوهاب

هناك سؤال لابد أن يتداركه الجميع هل ما يحدث مع المملكة العربية السعودية والتحرك الأمريكى التركى والأوروبى وحقوق الإنسان وما إلى ذلك.. أسبابه الحقيقية جمال خاشقجى؟!.. بالطبع لا!!

منذ متى تركيا أو أمريكا يهمهم الشأن العربى أو حقوق الإنسان إلا أن كانت هناك زريعة لغرض ما.. دمرت العراق بالباطل مزقت سوريا وليبيا.. يموت عشرات الفلسطنين منهم النساء والأطفال ولا يتحرك أحد.. تم الاغتيال فى تركيا على الهواء.. وقضى الأمر.

القصة هى التحالف المصرى السعودى البحرينى الإماراتى.. والموضوع أن أمريكا والغرب ومن وراءهم إسرائيل، يعجبهم بقايا النظام السعودى الوهابى الذى كان قبل محمد بن سلمان والذى ما زال إلى حد ما موجود فى السعودية.

هذا النموذج الوهابى المتشدد هو الذى مكنهم فى السابق من تركيع دولة كبيرة مثل السعودية، وسلب نفطها وثرواتها، وجعلها تابعة لأمريكا والغرب طوال الوقت.

هذا النموذج الوهابى المتشدد هو الذى يحاول أن يمكنهم من إضعاف مصر وتقزيم دورها، وإضعاف الإسلام الوسطى الذى يمثله الأزهر الشريف طوال ألف سنة.

هذا النموذج الوهابى المتشدد هو الذى ساعد ومكن أمريكا والغرب من تفتيت وتدمير عدة دول فى العالم العربى منذ عام 2011 حتى الآن (العراق وسوريا وليبيا واليمن) وإعادتها قرونًا إلى الخلف، ولم تنج منه سوى مصر وتونس بحكم قوة ومناعة شعب وجيش مصر وطبيعة الشعب التونسى.

هذا النموذج الوهابى المتشدد هو الذى مكن لإسرائيل فى المنطقة، وجعلها تسطو على دولة عربية بالكامل بأرضها وتهجير شعبها للخارج هى فلسطين.

وعندما أتى محمد بن سلمان وحاول الحد من النفوذ الوهابى فى السعودية بالتدريج، ثم وقف محاولات تصدير هذا النموذج لمحيطها العربى.. كان لابد لأمريكا والغرب من وقف محاولاته.

وعندما تحالف محمد بن سلمان مع مصر، وأوقف تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية المتأسلمة فى سوريا وليبيا، ثم يتخذ موقفًا صارمًا من دويلة خليجية مارقة تدعى قطر، تقدم كل أنواع الدعم للجماعات الإرهابية فى مصر والعالم العربى كله.. كان لابد لأمريكا والغرب من وقفه عن ذلك.

القصة ليست خاشقجى، فهو مجرد عميل لا قيمة له عندهم، فالموضوع ليس الإضرار بالسعودية ومحاولات تقسيمها، وتقزيم وتحجيم محمد بن سلمان.

القصة ليست نهب أمريكا لأموال ونفط السعودية.. فهذا الأمر يحدث طوال الوقت من قبل حادثة خاشقجى.. المقصود كسر التحالف المصرى السعودى الذى يمكن أن يطمئن السعودية والخليج تجاه التهديدات الأمنية التى يمكن أن يواجههم من إيران، ويمكن أن تغنيهم عن الحاجة لحماية أمريكية أو بريطانية.

الحكومة القطرية لم تكن بالطبع فى حاجة لأن تعلن عن موقف فى هذا الأمر، فوسائل إعلامها والوسائل المحسوبة عليها والمرتزقة الذين يعيشون على ظهرها أشبعوا الدنيا ضجيجًا ونواحًا وتباكيًا على مصير الصحفى السعودى، وملأوا الأرض كذبًا وروايات تشبع نهم أى متابع لروايات الجاسوسية الرخيصة، لكن التساؤل الذى كان يحوم حول من قد يكون المستفيد من إثارة هذه القضية، وكنا نعرفه تمامًا، تطوع حمد بتقديم إجابته، باعتباره المستفيد الأول، من ملء وسائل الإعلام العالمية بالأكاذيب وتجييش الرأى العام العالمى، ثم إجبار أصحاب القرار السياسى والاقتصادى على التمادى مع هذا الضجيج واتخاذ مواقف بناء عليه.

لم يتوقف الأمر فى نظر بعض من أطلقوا على أنفسهم المعارضة"، بأن ينظروا إلى تركيا نظرة الإعجاب الزائفة حول قضية مقتل الصحفى السعودى "جمال خاشقجى" فى القنصلية السعودية بتركيا، لكنهم راحوا يملئوا الدنيا ضجيجًا عن موقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، واصفين إياه بالبطولى تارة، وبالتاريخى تارة أخرى أردوغان الذى قام بقطع رؤس قضاة وضباط وكل من عارضه.

ولعل من تابع القضية سوف يتوصل إلى ما أكده المحللون فلم يصل أردوغان إلى حد توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى الرياض، أو ولى عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث يرى المحللون أنه فضل تسريب معلومات فقط- تفيد بتورط السلطات السعودية إلى وسائل الإعلام المؤيدة لحكومته للضغط على المملكة الغنية وأكبر مصدر للنفط فى العالم فى محاولة واضحة للحصول على أكبر قدر ممكن من الاستفادة والابتزاز.

ووفق ما تحدثنا عنه سالفًا من بطولة أردوغان، فهو الذى أجرى محادثتان  هاتفيتان مع الملك سلمان بشأن الأزمة، ما دفع بعض المحللين للقول أن أردوغان يسعى للحفاظ على العلاقات التركية السعودية من خلال العاهل السعودى بينما يهمش ولى عهده، وهو ما لا ينفى فكرة السعى إلى استغلال الحدث والتكسب منه والتخلص من ولى العهد.

واحتشد أيمن نور بجانب توكل كرمان أمام القنصلية السعودية تأييدًا لموقف تركيا الذى لم يكن معلنًا أصلًا، ووقتها وقعت توكل كرمان فى خطأ تداركته بتلميحٍ من أيمن نور حيث قالت "يجب على المملكة العربية السعودية أن تحافظ على سيادتها"، فقال أيمن نور هامسًا "تركيا تركيا"، وهو ما يعيد إلى الأذهان ذات المشهدٍ الذى يكرر نفسه مع موقف محمد بديع مع مرسى فى واقعة "القصاص".

وعقب قيام المملكة العربية السعودية بكشف المسألة بعد 18 يومٍ من الجدل، نشر ممدوح حمزة ليظهر فى الصورة عبر تغريدة عبر تويتر قال فيها "تحية كبرى لتركيا للتمسك بالتحقيق للوصول للحقيقة وانتصارًا للمبادئ".

يحاول ممدوح حمزة إقناع متابعيه أن المملكة العربية السعودية أجبرت على الاعتراف بمصير جمال خاشقجى نظرًا لأن تركيا ضغطت عليها، بينما الحقيقة أن السعودية كشفت مسألة جمال خاشقجى نظرًا لأنه لابد من إجراء تحقيقات لإظهار الحقيقة وهذا يحسب للمملكة السعودية وليس ضغطًا من قِبَل تركيا أو الولايات المتحدة الأمريكية وإنما ما يحدث "ابتزازًا وليس للعدالة"، وهو ما اعترف به دونالد ترامب فى بداية القضية، ثم أعلن أنه لا يعنيه خاشقجى، وهو ذات الأمر الذى تفعله تركيا ويمارسه أردوغان.

واكتفت تركيا أن تسير فى النسق الطبيعى فهى أجرت تحقيقات مشتركة بين المملكة العربية السعودية بينما لم يصدر تصريحه أردوغان إلا بعد ترامب، فالرئيس الأمريكى يوم 13 أكتوبر- هدد بـ"عقاب قاسى" فى حال ثبوت مقتل خاشقجى وتورط السعودية فى اغتياله، وعقب هذا التصريح قام أردوغان بإدلاء آراءه إزاء قضية خاشقجى.

وهو الأمر الذى تأكد مرارًا، حيث قال أردوغان فى حديث مقتضب بعد خطاب له خلال مؤتمر تشاورى لحزب العدالة والتنمية: "أتابع قضية خاشقجى بنفسى، والسلطات أيضًا تراقب تسجيلات الكاميرات، وحركة الدخول والخروج من المطارات، وستعلن نتائج التحقيقات إلى العالم مهما كانت" مضيفًا اختفاء خاشقجى فى تركيا أمر محزن للغاية".

وتحاول أبواق قطر والداعمين لتركيا إقناع المجتمع الدولى أن تركيا أردوغان غير تركيا قبل ذلك، فأردوغان رجل، استطاع جعل المملكة السعودية ترضخ، فى حين أن أردوغان نفسه خاض معارك زائفة كثيرة نسيها داعمو تركيا ومن يسير فى ركبهم.

لعل أخر معارك أردوغان الزائفة ما كان قبل عامين عندما قرر عدم الإفراج عن القس برانسون وألقى خطابًا بطوليًا خادعًا أكد فيه أنه لن يرضخ للتهديدات الأمريكية، حتى قرر ترامب فرض عقوبات على تركيا أدت إلى انهيار حاد لمستوى الليرة التركية ووقتها خطب فى شعبه وقال "لن يفرج عن هذا الإرهابى ما دمت حيا"، ثم حاول مساومة الأمريكيين فى إحدى خطبه حتى تكلمت وسائل إعلام عالمية عن صفقة بين الولايات المتحدة وتركيا أدت إلى رضوخ أردوغان.. البطل الزائف.

من العدد الورقى 455